الحياة
بمجملها شاقة عسيرة , ولذا هي بحاجة لكفاح متصل , لعمل دائب , فالذين يعيشون هذه
الحياة الدنيا دون أهداف يعملون لتحقيقها , هم في الحقيقة كالأموات , فهؤلاء
اختاروا حياة البطالة , والراحة والكسل , فلا يعتقدون أن الحياة في أصله كفاح لأجل
أهداف من المفترض أن يكافح الإنسان من أجلها للوصول إليها ولو بعد حين من الزمن ,
فالذين يختاروا راحة الجسم أجزم بأنهم لا يختاروا راحة البطن , فهؤلاء كالأنعام
يأكلوا ويناموا ويتلذذوا بلذة الحياة والتي بطبيعتها قصيرة لا تدوم طويلاً .
لأنهم
بطبيعة الحال الذي يعيشونه لا يفضلون الكفاح الذي هو العمل دون ملل أو كلل , ولعلك
تراهم أصحاب كروش لا أصحاب عمل , محبب لديهم النوم والراحة , عن العمل الشاق ,
ومثل هؤلاء لا خير منهم يرجى لصنع عمل محمود , بل هم كشوك قد زرع في وسط مجتمع من
المجتمعات , فأصبحوا عالة عليهم .
قال
لي أحد الذين كافحوا في حياتهم , وكانوا من الذين عانوا الفقر والبؤس والشقاء ,
ولكنهم لم يستسلموا لها , لأن الحياة الدنيا هي في أصلها شقاء , فيولد رجالاً
يصنعون لأنفسهم نجاحاً غير مسبوق , قال :
كنت أعمل في شركة قبل أكثر من أربعون عاماً , وأتقاضى راتباً لا يتعدى تسعون
ريالاً , وكنت أسكن بإيجار قيمته سبعون ريالاً , ولا يتبقى معي سوى عشرون , فلا
يكفي لمعيشتي وأسرتي وطفلتي , بل لا يكفي لشراء حليباً لها , فقررت أن أزيد في دخلي في إيجاد عمل آخر , فلم
أجد بد من أن أصنع عربة من خشب وأضع عليها بضاعة وأسير بها في حي من تلك الأحياء
فأبيع ما عندي من البضاعة , وكانت البضاعة عبارة عن فواكه وخضار , وحين وقت صلاة
العشاء أعود إلى بيتي وقد فرغت تلك البضاعة , ومرت السنوات وأنا على ذلك الحال ,
ولعلها خمس أعوام , ثم قدمت استقالتي من تلك الشركة التي اعمل فيها , وبحثت عن عمل
آخر يدفع راتب أكثر , فوجدت شركة أخرى تدفع راتب لا بأس به , فأعمل في تلك الشركة
منذ الصباح الباكر وحتى العصر , ثم أعود إلى بيتي وأتناول طعام الغداء مع أسرتي
والتي أصبحت مكونة من أربع بنات وزوجتي , والراتب لا يغطي كل ما تحتاجه أسرتي ,
فأخذت أعمل على البيع من خلال تلك العربة , ولا أعود إلا في وقت العشاء , وأزداد
دخلي وأحببت طريقة البيع والشراء , وبدأ يراودني التفكير أن أستقيل من تلك الشركة
وأتفرغ للتجارة , ولكن لا أملك رأس مال , فبقيت في الشركة أكثر من خمس أعوام , حتى
وجدت عندي من المال ما يكفي لأن أستقيل وأعتمد على نفسي في التجارة فهي رائجة
وتزيد في الدخل أكثر , فاستقلت من الشركة وأخذت منها جميع حقوقي المالية , وبنيت
به سكناً لأسرتي والذي بلغ عدد أفرادها ثمانية , ومن ثم استطعت أن أفتح دكاناً
لأبيع فيه , والحمد الله الآن أصبحت سيد نفسي , وأعيش حياة هانئة مطمئنة .
قلت
: ومثل هذا الرجل رجال قليلون عاشوا حياة فقرٍ وبؤسٍ , ولكنهم لم يستسلموا لها ,
بل كافحوها بالعمل حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه من حياة بها راحة بعد عناء , وغنى
بعد فقرٍ , وطمأنينة بعد هم , فمن المستطاع أن يغير المرء مسار حياته من حال إلى
حال ولكن بمجهود متصل لا توقف فيه , ومن سار إلى الدرب وصل , وبعد تضحية ومشقة
بمقدوره أن يغير ذلك , والحياة هذه لا تريحك حتى تأخذ منك , ومثل هذا عرفوا كيف
يشقون طريقهم الوعر والمليء بالوحل , بالصبر والعزيمة , دون يأس يداخلهم أو فتور
يثبطهم , ومثل هؤلاء يتبعون غداً مشرقاً , غداً كله هناء بعد عناء .
لم
يفقدوا حماسة الانطلاق نحو الحياة الشاقة , بل كانت نفوسهم مشتعلة بالأمل , بل قل إن شئت بالعمل دون غيره
. فحياة الفقر والبؤس ما هو إلا عامل يصنع منك أيها الإنسان الكفاح لحياة هنيئة .
*قال
ضياء الدين أبو الحب : إن الحياة معركة كبرى , لابد أن يخوضها الإنسان بعزم وتصميم
, وعليك أن تدخل المعركة مسلحاً بالشجاعة والثبات والصمود , لتنعم حقاً بالفوز
المبين.
*وفي
الحكة الهندية يقال : من رام النجاح والفلاح في هذا العالم فعليه أن يتغلب على
أسباب الفقر السبعة : النوم , التراخي , الخوف , الغضب , الكسل , المماطلة , إضاعة
الوقت .
*وقال
فهمي إبراهيم غطاس : إن الحياة ميدان شاق , شاق جداً , والنجاح في الحياة فن عسير
, له أسراره الخاصة التي لا يعرفها إلا القليلون .
*وقال
وليم بن : لا راحة بدون تعب , وعروش بدون مسؤوليات جسام , ولا حصاد بدون زرع , ولا
سبق دون مباراة , ولا لذة دون ألم , ولا نصر دون كفاح , ولا بد للشهد من إبر النحل
وهكذا الحياة .
*وقال عمر بن الخطاب رضي
الله عنه : لأن أموت أضرب في الأرض أبتغي من فضلِ الله ِ أحبُّ إليَّ من أن أقُتل
مجاهداً في سبيل الله ِ , لأن الله تعالى قدم الذين يضربون في الأرضِ يبتغون من
فضلهِ على المجاهدين .
*وقال أيضاً : تعلموا
المهنة فإنه يوشك أن يحتاج أحدكم على مهنته .
*وقال أيضاً : من يأكل
ولا يعمل موتهُ خير من حياته , وعدمه خيرُ من وجوده .
*وقال علي بن أبي طالب
رضي الله عنه : من قصر في العمل ابتلي بالهم .
*وقال أيضاً بركة العمر
حُسن العمل .
*وقال أيضاً : الاكتساب
من الحلال جهاد , وإنفاقك إياهُ على عيالك وأقاربك صدقة , ولدرهم حلال من تجارةٍ
أفضل من عشرٍ من غيره .
*وقال معروف الرصافي :
ليس للمرء أن يعيش بلا كدُّ
وإن كان من عظام
الرَّجال
*وقال أبو
العتاهية :
ما أحسن الشغلَ في تدبير منفعةً
أهل الفراغ ذوو
خوضٍ وإرجافِ
*وقال
أحمد شوقي :
وما نيلُ المطالبِ بالتمني ولكن تُؤخذ الدنيا غِلَاباً
*وقال فرانكلين : أعرق تنجح .
الاثنين 19/11/1432هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق