الاثنين، 16 فبراير 2015

أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه





أمـير المؤمـنـين عمـر الفاروق

أيها الصحابي الجليل , القوي في الدين الشديد على الملتوين والمنافقين والكافرين , يا صاحب الفضائل العظيمة , والمناقب السديدة .
أيها  الخفي التقي , قد أكرمك الله عز وجل وأنعم عليك بنعم كثيرة , أن صحبت نبي الهدى محمداً ج, وشهدت معه مواطن كثيرة, وجاهدت بلسانك وسيفك أعداء الله , وأعداء رسوله ج.
مدافعاً عما جاء به من الحق , منافحاً عن الله وحكمه , وحكم ورسوله ج.
كنت نعم الصاحب , ونعم الراشد, مضيت مع رسول الله ج فيما مضى إليه من العبادة لله لا شريك له , اختارك الله عز وجل في الهداية إلى الإسلام , فآمنت وأطعت الرحمن, فعزَّ الله بك هذا الدين, وغاظ به الكافرين والمشركين , ومضيت مجاهراً بحكم الله , ظاهراً الإيمان , وداعياً إلى العزيز الدَّيان .
فازدادوا غيظاً على غيظهم, وأوقدت ناراً في قلوب الجاحدين المعاندين, بمالك وولدك هاجرت إلى المدينة , تاركاً وراءك أعزَّ ما تملك , وهو دارك في مكة شرفها الله , تاركاً وراءك عزَّ العشيرة , وأمور الجاهلية.
وكنت فيمن بنى مسجد رسول الله ج مع النبي وصحبه الكرام , وظلت بصحبته , وعايشت وقائع مع نبيك وإخوتك من الأصحاب والآل.
ومضت الأعوام حتى جاء ساعة الاختيار من الله لنبيه ج فأختار الرفيق الأعلى .
أي مصيبة حلت بك وبأصحاب رسول الله ج حين علمت وعلموا أنه قد مات وفارقكم, فإنك لم تكن لتدرك أنه مفارقك, فلم تملك نفسك من هول الصدمة فبكيته وبكاءه أصحابه بكاءاً طويلاً , وكنت تقول: كلا لم يمت بل سيعود كما عاد موسى , بعد غياب إلى قومه, وإذا باأبابكرٍ يواجهك بالحقيقة الصادمة أنت وصحبك, فأدركت بعدها أن رسول الله ج قد مات حقاً , فقال أبو بكر رضي الله عنه :أيها الناس من كان  يعبد محمداً فإن محمداً قد مات , ومن كان يعبد الله, فإن الله حيُّ لا يموت, وما أن استمعت لمقالة الصَّديق, لم تتمالك نفسك من هول الصدمة , فوقعت أرضاً بعد أن ثُقلت قدماك بوزن جبلٍ .
أيها الفاروق , كنت راعياً للحفاظ على تماسك المسلمين , خائفاً وجلاً من أن تقطع حبله , فبايعت الصَّديق , وأمليت على المسلمين قولاً فيه التحذير من الفرقة , وذكرت فضل أبي بكر وماله من فضلٍ , وقدر عند رسول الله ج , وسعيت سعياً مباركاً  وحثيت النَّاس لمبايعة لأبي بكر.
فاستقام أمر الأمة , ثم ما لبث أن أردت بعض قبائل العرب , فكان هماً عظيماً حلَّ بخليفة رسول الله ج وبك وبأصحابك من المسلمين.
فتم القضاء على تلك الفئة التي تبين نفاقها وردتها , فاستقام أمر الأمة وقويت شوكتها , حتى جاء ذلك اليوم الذي مرض فيه صاحبك أبو بكر, فأحس بدنوا أجله, فسارع لاختيار خليفة من بعده ليقوم بواجبه حق القيام نَّحو الأمة, فكنت المختار , ونعم الاختيار, فمضيت على طريقة صاحبك, في نشر الإسلام وفتح البلدان, فأكملت فتح الشام وفتحت العراق, ومصر , وفارس.
لزمت الزهد والعدل, مفتشاً عن أحوال رعيتك , صادعاً بقول الحق ناصحاً ومحذراً, مراقباً لعمالك, من رأيته اخطأ عزلته , وما يفعلون مع ربهم ورعيتهم , هل على الحق , أم هم زاغون بعيدون عنه.
وفي خلافتك الراشدة , أفاء الله على المسلمين الخير , ومع ذلك آثرت ما عند الله , آثرت الباقي عن الفاني .
فكان ثوبك مرقعاً , وطعامك خبزاً وزيتاً , حتى أثرَّ ذلك في جسمك.
والبكاء والخوف أطار عليك راحتك, والدعة ورغد العيش من حياتك.
وجعل الله لك مقاماً طيباً لدى رعيتك , وأصبحت رمزاً للعدل.
فقد كنت يا عمر تخشى على رعيتك أكثر مما تخشاه على أهلك وولدك , المهالك والمزالق , آمراً بالمعروف , ناهياً عن المنَّـكر.
قد كنت أيها الفاروق أحد الخلفاء المهديين , الذين ساروا على سيرة النبي ج وصاحبه الصديق, لم تغير ولم تبدل, فكان من سيرتك العطرة ما يعجب المرء منه , فتروى ويقتدى به. فأنت رمزاً للصلاح والتقوى , والزهادة في الدنيا, وما أشبه سيرتك بسيرة حفيدك عمر بن عبد العزيز, فحين تولى الخلافة سأل سالم بن عبد الله عما كنت عليه  أبان خلافتك ليقتدي بك .فشهد من عاش عصره أنه نعم الخليفة في صلاحه وعدله, ولا عجب فهو حفيدك الذي وفقه الله للخير تجاه رعيته, فعده الناس المهدي ,وذلك لصلاحه وتقواه, وخوفه وزهادته.
أيها الفاروق قد ختم الله حياتك بالشهادة التي ترجوها, وبالنهاية التي تمنيتها, فقد كنت تصلي بالمسلمين صلاة الفجر , فإذا بطعنة غادرة على يد مجوسي لا ينسب للإسلام بصلة فكانت خاتمة حسنة , أن أراد الله لك الشهادة , ثم طلبت أن تدفن مع صاحبيك رسول الله  ج وأبا بكر الصديق رضي الله عنه , فكان لك ما تحب .
عشت أيها الفاروق شديداً سديداً , ومت شهيداً فقيداً  , فرضي الله عنك وأرضاك .

                                                الثلاثاء 10/10/1433هـ
                                                        28/8/2012م