الجمعة، 27 فبراير 2015

تركي بن الحسن الدهماني - البشرى


حكيم المعرة أبو العلاء المعري بقلم : تركي بن الحسن الدهماني

حكيم المعرة أبو العلاء المعري      

 بقلم : تركي بن الحسن الدهماني


هو أحمد بن عبد الله بن سليمان , يكنى أبو العلاء , من محلة يقال لها : معرة النعمان وهي من بلاد الشام سوريا حالياً , ولد أبو العلاء المعري بمعرة النعمان سنة ثلاث وستين وثلاثمائة , ولم يتم الثالثة من عمره حتى أعتل بالجدري والتي بسببها ذهب بصره وذلك سنة سبع وستين وثلاثمائة.
وكان لا يذكر من الألوان إلا الأحمر , قال أبو العلاء : " لا أعرف من الألوان إلا الأحمر , لأني ألبستُ في الجدري ثوباً مصبوغاً بالعصفر ".
وكان قصير القامة نحيل الجسم , مشوهة الوجه بالجدري.
قلت : قال أبو العلاء الشعر ولم يتجاوز عمره حينها الحادية عشرة , فهو من أسرة علم وأدب وقضاء , فقد كان جده سليمان قاضي المعرة , وعمه أبو بكر محمد , وكذلك أبو محمد عبد الله والد أبي العلاء.
وكان أبو العلاء قد تلقى علم النحو واللغة في حداثته أولاً على يد والده , ثم ما لبث أن رحل إلى حلب ليسمع اللغة والأدب من علمائها ولقد كانت حلب في تلك الفترة تزدهي بمن فيها من العلماء والأدباء .
فتخرج على أيدي أولئك العلماء لغوياً وأديباً وشاعراً .
أول فاجعة ألمت بأبي العلاء وألمه إيلاماً شديداً , وهو موت أبيه , ونقرأ رثاه فيه وذلك في ديوانه سقط الزند :
نقمتُ الرضا حتى على ضاحك المزن
فلا جادني إلا عبوس من الدجنِ
فليت فمي إن شام نسى تبسمي
فمُ الطعنة النجلاء تدمي بلا سنِ
كأن ثناياه أو أنس يبتغي
لها حسنُ ذكرٍ يالصيانة والسجنِ
وفي موضعٍ آخر يصف فيه وقار أبيه :
فيا ليت شعري هل يخفف وقاره
إذا صار أحد في القيامة كالعهن
وهل يرد الحوض الروى مبادراً
مع الناس أم يخشى الزحام فيستأن
حجاً راده من جرأةٍ وسماحة
وبعض الحجا يدعو إلى البخل والجبن
رحل أبي العلاء إلى بغداد سنة ثمانٍ وتسعين وثلاثمائة , فأقام بها سنة وسبعة أشهرٍ , قال ياقوت في " معجم الأدباء " : ونقلتُ من بعض الكتب , أن أبا العلاء لما ورد إلى بغداد , قصد أبا الحسن علي بن عيسى الربعي ليقرأ عليه , فلما دخل إليه , قال علي بن عيسى : ليصعد الإصطبل , فخرج مغضباً ولم يعد إليه , الإصطبلُ في لغةِ أهل الشام : الأعمى , ولعلها معربةُ .
وقال ياقوت: ودخل على المرتضى أبي القاسم , فعثر برجلٍ , فقال : من هذا الكلبُ ؟ , فقال المعري : الكلبُ من لا يعرف للكلبِ سبعين اسماً , وسمعهُ المرتضى فاستدناهُ , واختبرهُ فوجدهُ عالماً مشبعاً بالفطنة والذكاء , فأقبل عليهِ إقبالاً كثيراً .
ومهما يكن من شيء فقد نال ما تمنى فقد اطلع على العلوم واللقاء بالعلماء هناك , وكان عمره حين رحل إلى بغداد خمسُ وثلاثون سنة , ونقرأ له في إحدى رسائله العجيبة , ما قال في بغداد وأهلها , قال : " وجدتُ القلم ببغداد أكثر من الحصى عند جمرة العقبة " , لعله عنى بذلك علمائها , وفي موضع آخر يقول في البغداديين : " يحسنُ الله جزاء البغداديين , فلقد وصفوني بما لا أستحق , وشهدوا لي بالفضيلة على غير علم , وعرضوا عليَّ أموالهم عرضُ الجد " .
قلت : قد وجد أبو العلاء من البغداديين حسن الضيافة والكرم , وأفادوا منه علماً , وأنزلوه بما هو أهل .
ومن الأحداث المهمة التي جرت لأبي العلاء أثناء إقامته ببغداد , هو عندما كان في حضرة المرتضى , قال ياقوت رحمه الله : وكان أبو العلاء يتعصب للمتنبئ , ويزعم أنه أشعر المحدثين , ويفضلهُ على بشار ومن بعده , مثل أبي نواسٍ , وأبي تمام , وكان المرتضى يبغضُ المتنبئ , ويتعصب عليه , فجرى يوماً بحضرته ذكر المتنبئ , فتنقصهُ المرتضى , وجعل يتبع عيوبهُ , فقال المعري : لو لم يكن للمتنبئ من الشعر إلا قولهُ :
لَكِ منازلُ في القُـلوبِ مَنـازلُ
لكفاه فضلاً , فغضب المرتضى وأمرَ فَسُحبَ برِجلهِ , وأخُرجَ من مجلِسهِ , أيُّ شيءٍ أراد الأعمى بذكرِ هذه القصيدة؟ فإن للمتنبئ ما هو أجودُ منها لم يذكرها , فقيل : النقيب السيد أعرف , فقال : أراد قولهُ في هذه القصيدة:
إذا أتتك مذمتي من ناقصٍ فهي الشهادة لي بأني كَامِلُ
كنا قد ذكرنا في موضعٍ سابق أن أبا العلاء قد أقام ببغداد سنة وسبعة أشهرٍ , ثم ما لبث أن عاد إلى بلده , وكان قد ترك بغداد في العشر الأخير من شهر رمضان سنة أربعمائة , عائداً إلى المعرة , فلما حلَّ بها بلغه نبأ وفاة أمه , فأصابه حزن طويل , وله في ديوان سقط الزند أبياتُ يرثي بها أمه :
سمعتُ نعيها صما صمام وأن قال العواذل لا همامِ
وأمتني إلى الأجداث أمُ يعز عليَّ أن سارت أمامي
وأكبر أن يرثيها لساني بلفظٍ سالكٍ طرق الطعامِ
فلما رجع أبي العلاء إلى معرة النعمان لزم منزلهُ , ولم يخرج منه , وسمى نفسه رهين المحبسين , يعني حبس نفسه في المنزل , وترك الخروج منه , وحبسهُ عن النظر إلى الدنيا بالعمى .
ونقرأ له أبيات سمى نفسه فيها برهين المحابس الثلاثة , كما يقول:
أراني في الثلاثة من سجوني فلا تسأل عن النبأ النبيثِ
لفقدي ناظري ولزوم بيتي وكون النفس في الجسد الخبيثِ
قيل أن أبا العلاء قد أعتزل الناس خمسين سنة , وفي بعض الروايات تقول: بل خمساً وأربعين سنة .
قال عن اعتزاله للناس :
وزهدني في الخلق معرفتي بهم وعلمي بأن العالمين هباْ
ولو أن كل نفوس الناس رائية كرأي نفسي تناهت عن خزاياها
وطلقوا هذه الدنيا فما ولدوا ولا اقتنوا واستراحوا من رزاياها
أخذ أبو العلاء في هذه العزلة القاسية , يلبس غليظ الثياب , مع أنه ذو غنى وكان ينفق على الفقراء والمعوزين , ويعيش عيشة الزهد والتقشف , وكان دون زوج وولد .
وأمتنع من أكل اللحوم كما يفعل البراهمة , وقيل : أنه لم يأكل اللحم خمساً وأربعين سنة , كذلك كل ما يخرج من البحر .
روي عن أبو الحسن الصابئ , قال : أنه – يعني أبو العلاء – بقي خمساً وأربعين سنةً لا يأكل اللحم ولا البيض , ويُحرم إيلام الحيوان , ويقتصر على ما ينبتُ الأرض , ويلبس خشن الثياب , ويظهر دوام الصوم.
وقيل : أنه مرض مرة , فوصف الطبيب له الفروج وهو الدجاج الصغير , فلما جيء به لمسهُ بيده , وقال : استضعفوك فوصفوك , هلا وصفوا شبل الأسد .
قلت : وهذا الذي يقوله أبو العلاء هو رأي البراهمة .
فإذن كان أبا العلاء يعيش عيشة نباتية مرتضياً بها , قال في ذلك :
فلا تأكلن ما أخرج من البحر ظالماً ولا تبغ قوتاً من غريض الذبائح
و لا بيض أمات أرادت صريحة لأطفالها دون الغواني الصرائح
ولا تفجعنّ الطير وهي غوافل بما وضعت فالظلم شرّ القبائح
قلت : نقرأ في اللزوميات من محاورته للديك والحمامة , ورثاءه للشاة التي تذبح , وكذلك النحل والتي منها يستخرج العسل , وبكائه على الناقة والفصيل , وهذا ولا ريب مخالف لما هي عليه الناس .
وأثناء عزلتهُ الطويلة , أخذ الطلاب يفدون إليه من كل ناحية , ليقتبسوا منه علم اللغة والنحو وغيرها من علوم الأدب , وفي تلك المدة ألف الكتب , وأنشئ الرسائل , والتي فاقت كتب ورسائل علماء أقرانه .
كان أبو العلاء المعري يتمتع بذكاء حاد , وذو حافظة قوية , فقد قيل : أنه كان يحفظ المخصص والمحكم .
وعندما كان في بغداد طلب أن تعرض عليه الكتب التي في خزائنها , فأدخل فيها وجعل لا يُقرأ عليه كتاب إلا وقد حفظه .
بل وإنه ليحفظ ما يسمع وإن لم يفهم معناه .
يقول تلميذه التبريزي : ما أعرف أن العرب نطقت بكلمة ولم يعرفها المعري .
ويقول ابن فضل الله العمري : كان أبو العلاء مطلعاً على العلوم , لا يخلو من علم من الأخذ بطرف , متبحراً في اللغة , متسع النطاق في العربية .
قد تكلم الناس في عقيدة أبي العلاء , بين رأيين , ولا ريب من يقرأ له في اللزوميات نراه بين الشك واليقين , ولسنا نعرف له رأياً ينساق إليه , فمرة هو مؤمن بالله ومرة هو ملحد كافر بالله , وهذا كله يشكل عائقاً كبيراً أمام فهم أبي العلاء .
مع ذلك كله نجزم أن لأبي العلاء حساداً يذكرون على لسانه بعض الأقاويل من نظم ونثر يضمنونها أقاويل الملحدة قصداً لهلاكه , وإيثاراً لأتلاف نفسه .
وإننا لنقرأ له الكثير من تمجيداته لله ومدحه للنبي صلى الله عليه وسلم , فله كتابُ أسماه – الفصول والغايات في تمجيد الله والمواعظ - , وهذا الكتاب قيل أنه ألفه ليعارض به القرآن الكريم , وهذا محض افتراء من حساده , وأحسب من قال ذلك ممن ترجم له لم يرى هذا الكتاب , ففي الكتاب نوادر العلم وغرائبه , على أن في الكتاب ما يدحض هذه المفتريات , حيث يقول : " علم ربنا ما علم , أني ألفتُ الكلم , آملُ رضاه المسلَّم , وأتقي سخطه المؤلم , فهب لي ما أبلغُ به رضاك من الكلم والمعاني الغراب غاية " .
قلت: والكتاب متعة الأديب , فإنه أي أبي العلاء قد ملأه بشتى العلوم من اللغة والأدب والعروض والنحو والتاريخ والحديث والفقه والفلك وغير ذلك.
أقعد أبي العلاء في آخر أيامه , ثم مرض ثلاثة أيام ثم توفي , وذلك يوم الجمعة في النصف الأول من شهر ربيع الثاني سنة 449هـ بالمعرة .
وأوصى أن يكتب على قبره :
هذا ما جناه أبي عليّ وما جنبتُ على أحد
وقيل أنه أنشد على قبره أربعة وثمانون شاعراً مراثي , وقيل : بل سبعون شاعراً يرثون ويبكون عليه , من جملتها أبياتُ لتلميذه أبي الحسن علي بن الهمام من قصيدة طويلةٍ :
إن كنتَ لم ترقِ الدماء زهادةً فلقد أرقت اليوم من جفني دما
سيرت ذكراً في البلادِ كأنهُ مسكُ مسامعها يضمخُ أو فما


==========================================
أصل البحث كان بتاريخ 14\5\1423هـ 24\7\2002م
وزيدت ونقحت بتاريخ 10\رجب\1433هـ 31\5\2012م
================================================

الاثنين، 23 فبراير 2015

تركي بن الحسن الدهماني


الخروج من صومعة الكتب - رسائل من نفحات الحياة - تركي الدهماني



الخروج من صومعة الكتب

بقلم : تركي بن الحسن الدهماني
قال لي صاحبي بعد ما أخذ له مكاناً في مكتبي , وراح ينظر ما حوله , فلا يرى غير كتب مرصوصة, وضعت على أربع حيطان وبعد أن ملَّ من النظر فيها , وأنهكه التأمل بها , أخذه دواراً وألمه رأسه إيلاماً : ألم يئن بعد أن تخرج من هذه الصومعة الكئيبة, والتي لا تسمع منه صوتاً أو يحتك بك احتكاكاً إلى العالم الخارجي , وما فيه من ضجيج الحياة , وتخوض فيما يخوض فيه الناس من أمور  حياتهم.
فألتفت إليه باسماً ثم قلت : أنى لي الخروج وأنا بين هذه الأزهار التي تعج بهذه الحجرة الهدوء والسكينة , فتخلق في نفسك راحة عجيبة , إنك لتطلب مني أمراً لا أطيق فعله, ويُحسن بي عمله , فإني كتلك السمكة التي لا تعرف عالماً تعيش فيه سوى البحر , فما أن تخرج منه تفقد حياتها .
فقال متعجباً : أكنت تظن أنك كهذه السمكة ؟.
قلت :عدني بأيها شئت , وقل عني ما تريد , فلستُ أميل إلى شيء غير الذي ترى, وأي عالم تتحدث عنه , الذي تود أن أصحبك إليه , أهو عالم يشرح الصدر, ويقيك من الخطر, أم يحل عليك وعليَّ بالكدر, ويسلمك إلى الشرّ.
قال: ما اعنيه هو عالم الناس , حيث صحبتهم , والأخذ معهم في أمور الحياة وما يتصل بها , بدلاً من الانغلاق  في وحشة هذه الكتب .
فقلت له: يبدوا أنني سأطيل معك في الحديث, فاستمع إليَّ رجاءً. إن عالم الناس على اختلاف مشاربهم وعقولهم, ونفوسهم , ومذاهبهم في هذه الحياة اعلمها , بل وأعلم مبدئها ومنتهاها, فإذن أنا غني عن صحبتهم, وغني عن خلطتهم وما هم فيه من خطوب لا تنتهي.فإني منذ الصغر أتأمل الصور وأتأمل كل ما يدور حولي, وأتفكر واستخلص واتقص وأبحث في مكنونات الناس, فلا ادعي الغيب كلا إنما كفاني ما وجدت من تجارب والناس سواسية في كل شيء, هناك الصالح والطالح و ما بينهما من فيه ذلكم الخصلتين .فإنك لا ترى سوى ذلك, وإن الذين يختلطون لا يحبون سوى المتاعب , فلست بحاجة لذلك , وليس لدي من الوقت أضيعه في شيء اعلم عنه مسبقاً أنه لا يعود إليَّ بكبير فائدة , إنما تجرني جراً نحو ما لا أطيق, ومن الخير لي أن أنأى عن كل ما يدعوا لمشقة النفس, وأما الانغلاق حسب تعريفك له, فلست أوافقك إياه جملةً وتفصيلاً, وما أنا مغرق فيه مع نفسي بالصورة الذي طبعته في مخيلتك, فلستُ كما تظن, وإنما أنا في مكان أشعر فيه بالسَّلام الداخلي , وأرى فيه الراحة والدعة التي يفتقدها كثير من الناس, وأنت ولا ريب واحد منهم .
فعجباً أن يقال للمرء الذي يقضي معظم وقته نهاره وليله في مكتبه , وحوله الكتب فيه ما تلذ منه النفوس والعقول , أيكون ذلك إغلاقاً ؟ ولعل البعض يسميه سجناً, أعلم أنك لا تدرك لذة العيش الذي أتمتع به, فإني بين سلام داخلي أعيشه, وبين عقلٍ أغذيه,  وأي لذةٍ يفتقدها أولئك العابثون بأوقاتهم في  لعب لا تنتهي , وأباطيل لا يفرغون منها, فأنظر وأمعن النظر في هذه الكتب التي تحيطنا من كل جهة , أفيه ما يضَّرك إن نظرت إليه , فقس بيني وبين غيري من حياة , لعلك تحسن القياس فيما بينهما من فرق, أفتراني منغلق عن عالم الناس , لعلك تصورني بذلك الإنسان الذي حكم على نفسه بالسجن الأبدي , حيث لا خروج منه إلا جثة ميتة, افتراني منغلقاً, أم تراني حابس نفسي فاعتراني عقدة , كلا, لست بذاك أو بذا, ولست بالسجين الذي لا يعلم عن أمر الحياة شيئاً , وما الناس فيه يخوضون من قول وفعل, فأقول لك ولغيرك ممن يعتقد كل ذلك, إنني لستُ منغلقاً ولست سجيناً , وإنما أستطيع من مكاني هذا أن أرى ما يدور حولي من خير وشرّ , بل قل أشياء , لم تتوقعه رغم اختلاطك بالناس والحياة , هل تريد مني أن أنقل لك ما في  الحياة من مآسي لم تنقرض ولن تنقرض ما دامت الحياة باقية, وما دامت الشمس تشرق من المشرق, هل أنقل لك صوراً منها وهي كثيرة:
 أني لأنظر لتلك المرأة التي تبحث عن طعام أو كساء لتقدمه لصغارها.
أو انظر لذلك الرجل الذي يخطو خطوات متثاقلة يكاد الناظر إليه يظن أنه سيفارق الحياة من وقته , لما أصابه من جوع ولما أصابه من بؤس البائسين.
أو لذلك الرجل الذي يمضي جلّ وقته في العمل حتى يحصل على قوته وقوت عياله .
 أو كأني أرى ذلك ا لرجل أو تلك المرأة الذين ذهب لهما حق فلا يدركان كيف يسترد.
 أو كأني أرى فساق الناس اليوم لاهون في  غيهم مستمتعون, يعبثون ويسرفون في عبثهم دون تورع .
 أو كأني أرى الصالحين من الناس يقدمون دينهم على مصالحهم الدنيوية. وكأني أرى الذين يؤثرون شهواتهم ويغررن صغار العقول فيتبعوهم للحصول على رغباتهم الحيوانية .
أو كأني أرى ذاك الشاب الذي قد تربى على الفضيلة فأصبح راعياً للرذيلة , أو كأني أرى الذين يشوهون الدَّين أملاً في تحطيم قواعده.
أو كأني أرى الذين ينافقون وينافحون عن الباطل , وهم يعلمون أنه نفاقاً , وهم أعلم الناس بما في دخيلة أنفسهم , والله أعلم ما يكنون في صدورهم.
أو كأني أرى تلك الفتاة والتي لم تجد من والديها  الرعاية الكاملة , من الحنان والعطف والاهتمام , فظلت أسيرةُ في أيدي الذئاب.وكذلك الشُّبان.
والمقام يطيل بنا لو ذكرت أكثر مما ذكرته لك , كل ذلك أراه من مكاني هذا الذي تدعوه سجناً, ولو أطلت معك في سرد ما لدي لحار عقلك, ولأصابك العَجب .
قال لي : ما ذكرته آنفاً كله حقاً , فما الذي دعاك إلى هذا الانغلاق؟ .
قلت له باسماً: أما زلت تسميٌ ما أنا فيه انغلاقاً , كلا , ليس صحيح ما تقول , فقد حببٌ إليٌ ما ترى , انشغال بالعلم والدرس , ووجدت لذتي وراحتي في ذلك. وإني لأحمد الله تعالى بما منّ به عليَّ , وأي طريق شريف يتبعه المرء في غير   العلم والتعلم , وهذا الذي أنا فيه سبيل مضى عليه أهل العلم , فقد انسوا بعلمهم ووحدوا في ذلك ما يغنيهم عن العالم الخارجي , وهو مصاحبة أهل الفضل والعلم الذين قضوا وبقي لهم ذكراً بعد موتهم , من تواليف حسَّان , وتصانيف ظلت حية بعد موتهم, وأجرهم ظل يرافقهم .
                                               21/9/1433هـ
                                               26/11/2012م  

الأحد، 22 فبراير 2015

صارع البحر - تركي بن الحسن الدهماني



صارع البحر
لسوف نعبر البحار

ونشق ذلك الماء

لا تخشى يا فتى

من غضبة الأمواج

واجهه بلا خوف ٍ

سارع للعلا فلا تنظر للأهوال

صارع البحر

لا تلقي بالاً بالأخطار

أمضي نحوه خوض معركة  العمر

فإما فوزاً وإما موتاً

فالأقدام يولد الانتصار

ولا يؤتى بالأحجام

إنما الحياة عزم وإصرار

ولا تنظر للضعفاء

فسبيلهم يولد الانهزام

الأحد 4\6\1434هـ

14\4\2013م

طريح صريخ - تركي بن الحسن الدهماني



طريح صريخ
سأسافر بعيداً

حيث لا يعلم أحد

عن مكاني وموضع سكوني

عن هجرتي وحزني

فالحياة قاسية

تنثر ريحُ صريخ

أأمضي في حياةً

كلها خدعةً

ووسطِ عالمٍ مهيب

لا يهملني فأستريح

سئمتُ هذا

فأنا اليوم طريح

وكلَّ يومٍ

ألعقُ منها فأصيح

حتى متى أظل صريخ 

تركي الدهماني الأربعاء 11\1\2012م17\2\1433هـ

السبت، 21 فبراير 2015

تركي بن الحسن الدهماني


تركي بن الحسن الدهماني


تركي بن الحسن الدهماني


تركي بن الحسن الدهماني


تركي بن الحسن الدهماني


الاثنين، 16 فبراير 2015

أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه





أمـير المؤمـنـين عمـر الفاروق

أيها الصحابي الجليل , القوي في الدين الشديد على الملتوين والمنافقين والكافرين , يا صاحب الفضائل العظيمة , والمناقب السديدة .
أيها  الخفي التقي , قد أكرمك الله عز وجل وأنعم عليك بنعم كثيرة , أن صحبت نبي الهدى محمداً ج, وشهدت معه مواطن كثيرة, وجاهدت بلسانك وسيفك أعداء الله , وأعداء رسوله ج.
مدافعاً عما جاء به من الحق , منافحاً عن الله وحكمه , وحكم ورسوله ج.
كنت نعم الصاحب , ونعم الراشد, مضيت مع رسول الله ج فيما مضى إليه من العبادة لله لا شريك له , اختارك الله عز وجل في الهداية إلى الإسلام , فآمنت وأطعت الرحمن, فعزَّ الله بك هذا الدين, وغاظ به الكافرين والمشركين , ومضيت مجاهراً بحكم الله , ظاهراً الإيمان , وداعياً إلى العزيز الدَّيان .
فازدادوا غيظاً على غيظهم, وأوقدت ناراً في قلوب الجاحدين المعاندين, بمالك وولدك هاجرت إلى المدينة , تاركاً وراءك أعزَّ ما تملك , وهو دارك في مكة شرفها الله , تاركاً وراءك عزَّ العشيرة , وأمور الجاهلية.
وكنت فيمن بنى مسجد رسول الله ج مع النبي وصحبه الكرام , وظلت بصحبته , وعايشت وقائع مع نبيك وإخوتك من الأصحاب والآل.
ومضت الأعوام حتى جاء ساعة الاختيار من الله لنبيه ج فأختار الرفيق الأعلى .
أي مصيبة حلت بك وبأصحاب رسول الله ج حين علمت وعلموا أنه قد مات وفارقكم, فإنك لم تكن لتدرك أنه مفارقك, فلم تملك نفسك من هول الصدمة فبكيته وبكاءه أصحابه بكاءاً طويلاً , وكنت تقول: كلا لم يمت بل سيعود كما عاد موسى , بعد غياب إلى قومه, وإذا باأبابكرٍ يواجهك بالحقيقة الصادمة أنت وصحبك, فأدركت بعدها أن رسول الله ج قد مات حقاً , فقال أبو بكر رضي الله عنه :أيها الناس من كان  يعبد محمداً فإن محمداً قد مات , ومن كان يعبد الله, فإن الله حيُّ لا يموت, وما أن استمعت لمقالة الصَّديق, لم تتمالك نفسك من هول الصدمة , فوقعت أرضاً بعد أن ثُقلت قدماك بوزن جبلٍ .
أيها الفاروق , كنت راعياً للحفاظ على تماسك المسلمين , خائفاً وجلاً من أن تقطع حبله , فبايعت الصَّديق , وأمليت على المسلمين قولاً فيه التحذير من الفرقة , وذكرت فضل أبي بكر وماله من فضلٍ , وقدر عند رسول الله ج , وسعيت سعياً مباركاً  وحثيت النَّاس لمبايعة لأبي بكر.
فاستقام أمر الأمة , ثم ما لبث أن أردت بعض قبائل العرب , فكان هماً عظيماً حلَّ بخليفة رسول الله ج وبك وبأصحابك من المسلمين.
فتم القضاء على تلك الفئة التي تبين نفاقها وردتها , فاستقام أمر الأمة وقويت شوكتها , حتى جاء ذلك اليوم الذي مرض فيه صاحبك أبو بكر, فأحس بدنوا أجله, فسارع لاختيار خليفة من بعده ليقوم بواجبه حق القيام نَّحو الأمة, فكنت المختار , ونعم الاختيار, فمضيت على طريقة صاحبك, في نشر الإسلام وفتح البلدان, فأكملت فتح الشام وفتحت العراق, ومصر , وفارس.
لزمت الزهد والعدل, مفتشاً عن أحوال رعيتك , صادعاً بقول الحق ناصحاً ومحذراً, مراقباً لعمالك, من رأيته اخطأ عزلته , وما يفعلون مع ربهم ورعيتهم , هل على الحق , أم هم زاغون بعيدون عنه.
وفي خلافتك الراشدة , أفاء الله على المسلمين الخير , ومع ذلك آثرت ما عند الله , آثرت الباقي عن الفاني .
فكان ثوبك مرقعاً , وطعامك خبزاً وزيتاً , حتى أثرَّ ذلك في جسمك.
والبكاء والخوف أطار عليك راحتك, والدعة ورغد العيش من حياتك.
وجعل الله لك مقاماً طيباً لدى رعيتك , وأصبحت رمزاً للعدل.
فقد كنت يا عمر تخشى على رعيتك أكثر مما تخشاه على أهلك وولدك , المهالك والمزالق , آمراً بالمعروف , ناهياً عن المنَّـكر.
قد كنت أيها الفاروق أحد الخلفاء المهديين , الذين ساروا على سيرة النبي ج وصاحبه الصديق, لم تغير ولم تبدل, فكان من سيرتك العطرة ما يعجب المرء منه , فتروى ويقتدى به. فأنت رمزاً للصلاح والتقوى , والزهادة في الدنيا, وما أشبه سيرتك بسيرة حفيدك عمر بن عبد العزيز, فحين تولى الخلافة سأل سالم بن عبد الله عما كنت عليه  أبان خلافتك ليقتدي بك .فشهد من عاش عصره أنه نعم الخليفة في صلاحه وعدله, ولا عجب فهو حفيدك الذي وفقه الله للخير تجاه رعيته, فعده الناس المهدي ,وذلك لصلاحه وتقواه, وخوفه وزهادته.
أيها الفاروق قد ختم الله حياتك بالشهادة التي ترجوها, وبالنهاية التي تمنيتها, فقد كنت تصلي بالمسلمين صلاة الفجر , فإذا بطعنة غادرة على يد مجوسي لا ينسب للإسلام بصلة فكانت خاتمة حسنة , أن أراد الله لك الشهادة , ثم طلبت أن تدفن مع صاحبيك رسول الله  ج وأبا بكر الصديق رضي الله عنه , فكان لك ما تحب .
عشت أيها الفاروق شديداً سديداً , ومت شهيداً فقيداً  , فرضي الله عنك وأرضاك .

                                                الثلاثاء 10/10/1433هـ
                                                        28/8/2012م